الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
اعلم أن البحر المحيط بالمعمور إذا خرج منه نهر الهند افترق قطعًا كما تقدّم وكان منه قطعة تسمى بحر الزنج وهي مما يلي: بلاد اليمن وبحر بربر. وفي هذه القطعة عدة جزائر منها: جزيرة القُمر بضم القاف وإسكان الميم وراء مهملة -. ويقال لهذه الجزيرة أيضًا: جزيرة ملاي وطولها أربعة أشهر في عرض عشرين يومًا إلى أقل من ذلك وهذه الجزيرة تحاذي جزيرة سرنديب وفيها عدة بلاد كثيرة منها قمرية وإليها ينسب الطائر القمري ويقال: إن بهذه الجزيرة خشب ينحت من الخشبة ساق طوله ستون ذراعًا يجفف على ظهره مائة وستون رجلًا وإن هذه الجزيرة ضاقت بأهلها فبنوا على الساحل محلات يسكنونها في سفح جبل يعرف بهم يقال له: جبل القمر. واعلم أن الجبال كلها متشعبة من الجبل المستدير بغالب معمور الأرض وهو المسمى بجبل قاف وهو أم الجبال كلها تتشعب منه فيتصل في موضع وينقطع في آخر وهو كالدائرة لا يعرف له أول إذ كان كالحلقة المستديرة لا يعرف طرفاها وإن لم يكن استدارة كريه ولكنها استدارة إحاطة. وزعم قوم أن أمّهات الجبال جبلان: خرج أحدهما من البحر المحيط في المغرب آخذًا جنوبًا وخرج الآخر من البحر الرومي آخذًا شمالًا حتى تلاقيا عند السدّ وسموا الجنوبيّ قاف وسموا الشمالي قاقونا والأظهر أنه جبل واحد ومحيط بغالب بسيط المعمور وأنه هو الذي يُسمى بجبل قاف فيعرف بذلك في الجنوب ويعرف في الشمال بجبل قاقونا. ومبدأ هذا الجبل المحيط من بهتف السدّ آخذًا من وراء صنم الخط المشجوج إلى شعبته الخارجة منه المعمول بها باب الصين أخذًا على غربي صين الصين ثم ينعطف على جنوبه مستقيمًا في نهاية الشرق على جانب البحر المحيط مع الفرجة المنفرجة بينه وبين البحر الهندي الداخلة ثم ينقطع عند مخرج البحر الهنديّ المحيط مع خط الاستواء. حيث الطول مائة وسبعون درجة ثم يتصل من شعبة البحر الهندي الملاقي لشعبة المحيط الخارجة إلى بحر الظلمات من الشرق بجنوب كثير من وراء مخرج البحر الهندي في الجنوب وتبقى الظلمات من هاتين الشعبتين شعبة المحيط الجائية على جنوب الظلمات شرقًا مغربًا ومخرج البحر الهندي الجائية على الظلمات حتى تتلاقى الشعبتان عند مخرج هذا الجبل كتفصيل السراويل ثم ينفرج برأس البحرين شعبتان على مبدأ هذا الجبل ويبقى الجبل بينهما كأنه خارج من نفس الماء. ومبدأ هذا الجبل هنا وراء قبة أرين عن شرقيها وبعده منها خمس عشرة درجة. ويقال لهذا الجبل في أوّله: المجرّد ثم يمتد حتى ينتهي في القسم الغربي إلى طوله إلى خمس وستين درجة من أوّل المغرب وهناك يتشعب من الجبل المذكور جبل القمر وينصب منه النيل وبه أحجار برّاقة كالفضة تتلألأ تسمى: ضحكة الباهت كل من نظرها ضحك والتصق بها حتى يموت ويسمى: مغناطيس الناس. ويتشعب منه شعب تسمى: أسيفي أهله كالوحوش ثم ينفرج منه فرجة ويمرّ منه شعب إلى نهاية المغرب في البحر المحيط يسمى: جبل وحشية به سباع لها قرون طوال لا تطاق وينطف دون تلك الفرجة من جبل قاف شعاب منها شعبتان إلى خط الاستواء يكتنفان مجرى النيل من الشرق والغرب فالشرقي يعرف: بجبل قاقول وينقطع عند خط الاستواء. والغربي يعرف: بأدمرية يجري عليه نيل السودان المسمى ببحر الدمادم وينقطع تلقاء مجالات الحبشة ما بين مدينة سفرة وحيمى وراء هذه الشعبة يمتدّ منه شعبة هي الأم من الموضع المعروف فيه الجبل بأسيفي المذكور إلى خط الاستواء حيث الطول هناك عشرون درجة ويعرف هناك بجبل كرسقابه وبه وحوش ضارية ثم ينتهي إلى البحر المحيط وينقطع دونه بفرجة. وذلك وراء التكرور عند مدينة قلمتبور أو وراء هذا الجبل سودان يقال لهم: تمتم يأكلون الناس ثم تتصل الأم من ساحل البحر الشامي في شماله شرقي رومية الكبرى مسامتًا للشعبة المسماة أدمدمه المنقطعة بين سمعرة وحيمي لا يكاد يخطوها حيث الطول خمس وثلاثون درجة ويقع منشأ اتصال هذه الأم على عرض خمسين درجة وكذلك تقطع شعبها الآخذة في الجنوب على عرض خمسين درجة عند آخرها ما بين سردانة وبلنسية وتتناهى وصلة هذه الأم إلى البحر المحيط في نهاية الشمال قبالة جزيرة بركانية. وتبقى سوسية داخل الجبل. ثم تمتد هذه الأم بعد انقطاع لطيف وينعطف انعطاف خرجة البحر المحيط في المغرب على الصقلب المسماة ببحر الأنفلشين ممتدًا إلى غاية المشرق ويسمى هناك بجبل قاقونا ويبقى وراءه البحر جامدًا لشدة البرد ثم ينعطف من الشمال إلى المشرق جنوبًا بتغريب إلى كتف السدّ الشمالي فيتلاقى هناك الطرفان وبينهما في الفرجة المنفرجة سوّى ذو القرنين بين الصدفين. وفي جزيرة القمر ثلاثة أنهار: أحدها في شرقيها من قنطورا ومعلا وثانيها في غربيها ينصب من جبل قدم آدم على مدينة سبا ويأخذ مارًا على مدينة فردرا وينجر هناك بحيرة في جنوبها مدينة كيما حيث محل السودان الذين يأكلون الناس. وثالثها في غربيها أيضًا ويخرج من الجبل المشبه ماء محدودب الذيل يطوف بمدينة دهما فتبقى مدينة دهما في جزيرة بينهما يكون هو محيطًا بها شرقًا وجنوبًا وغربًا ويصير لذلك كالجزيرة ويتصل شمالها بالبحر الهندي وتقع ومن جبل القمر يخرج نهر النيل وقد كان يتبدّد على وجه الأرض فلما قدم نقراوش الحدار بن مصريم الأوّل ابن مركابيل ابن دوابيل بن عرباب ابن آدم عليه السلام إلى أرض مصر ومعه عدة من بني عرباب واستوطنوها وبنوا بها مدينة أمسوس وغيرها من المداين حفروا النيل حتى أجروا ماءه إليهم ولم يكن قبل ذلك معتدل الجري بل ينبطح ويتفرّق في الأرض حتى وجه إلى النوبة الملك نقراوش فهندسوه وساقوا منه أنهارًا إلى مواضع كثيرة من مدنهم التي بنوها وساقوا منه نهرًا إلى مدينة أمسوس ثم لما خربت أرض مصر بالطوفان وكانت أيام البودشيرين قفط بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام عدل جانبي النيل تعديلًا ثانيًا بعدما أتلفه الطوفان. قال الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه فملك البودشير وتجبر وهو أوّل من تكهن وعمل بالسحر واحتجب عن العيون وقد كانت أعمامه أشمن وأتريب وصاملوكا على أحيازهم. إلا أنه قهرهم بجبروته وقوله فكان الذكر له كما تجبر أبوه على من قبله لأنه كان أكبرهم ولذلك أغضوا عنه فيقال: إنه أرسل هرمس الكاهن المصري إلى جبل القمر الذي يخرج النيل من تحته حتى عمل هناك التماثيل النحاس وعدل البطيحة التي ينصب فيها ماء النيل. ويقال: إنه الذي عدل جانبي النيل وقد كان يفيض وربما انقطع في مواضع. وهذا القصر الذي فيه تماثيل النحاس يشتمل على خمس وثمانين صورة جعلها هرمس جامعة لما يخرج من ماء النيل بمعاقد ومصاب مدورة وقنوات يجري فيها الماء وينصب إليها إذا خرج من تحت جبل القمر حتى يدخل من تلك الصور ويخرج من حلوقها وجعل لها قياسًا معلومًا بمقاطع وأذرع مقدرة وجعل ما يخرج من هذه الصور من الماء ينصب إلى الأنهار ثم يصير منها إلى بطيحتين ويخرج منهما حتى ينتهي إلى البطيحة الجامعة للماء الذي يخرج من تحت الجبل وعمل لتلك الصور مقادير من الماء الذي يكون معه الصلاح بأرض مصر. وينتفع به أهلها دون الفساد وذلك الانتهاء المصلح ثمانية عشر ذراعًا بالذراع الذي مقداره اثنان وثلاثون إصبعًا. وما فضل عن ذلك عدل عن يمين تلك الصور وشمالها إلى مسارب يخرج ويصب في رمال وغياض لا ينتفع بها من خلف خط الاستواء. ولولا ذلك لغرق ماء النيل البلدان التي يمر عليها. قال: وكان الوليد بن دومع العمليقي قد خرج في جيش كثيف يتنقل في البلدان ويقهر ملوكها ليسكن ما يوافقه منها. فلما صار إلى الشام انتهى إليه خبر مصر. وعظم قدرها وإن أمرها قد صار إلى النساء وباد ملوكها. فوجه غلامًا له يقال له: عون إلى مصر وسار إليها بعده واستباح أهلها وأخذ الأموال وقتل جماعة من كهنتها ثم سنح له أن يخرج ليقف على مصب النيل. فيعرف ما بحافتيه من الأمم فأقام ثلاث سنين يستعدّ لخروجه وخرج في جيش عظيم فلم يمرّ بأمّة إلا أبادها ومرّ على أمم السودان وجاوزهم ومرّ على أرض الذهب فرأى فيها قضبانًا نابتة من ذهب ولم يزل يسير حتى بلغ البطيحة التي ينصب ماء النيل فيها من الأنهار التي تخرج من تحت جبل القمر. وسار حتى بلغ هيكل الشمس وتجاوزه حتى بلغ جبل القمر وهو جبل عال وإنما سمي: جبل القمر لأنّ القمر لا يطلع عليه لأنه خارج من تحت خط الاستواء ونظر إلى النيل يخرج من تحته فيمرّ في طريق وأنهار دقاق حتى ينتهي إلى حظيرتين ثم يخرج منهما في نهرين حتى ينتهي إلى حظيرة أخرى فإذا جاوز خط الاستواء مدّته عين تخرج من ناحية نهر مكران بالهند وتلك العين أيضًا تخرج من تحت جبل القمر إلى ذلك الوجه. ويقال: إن نهر مكران مثل النيل يزيد وينقص وفيه التماسيح والأسماك التي مثل أسماك النيل. ووجد الوليد بن دومع: القصر الذي فيه التماثيل النحاس التي عملها هرمس الأوّل في وقت البودشير بن قنطريم بن قبطيم ابن مصرايم. وقد ذكر قوم من أهل الأثر أن الأنهار الأربعة تخرج من أصل واحد من قبة في أرض الذهب التي من وراء البحر المظلم وهي سيحون وجيحون والفرات والنيل. وأن تلك الأرض من أرض الجنة. وأن تلك القبة من زبرجد وأنها قبل أن تسلك البحر المظلم أحلى من العسل وأطيب رائحة من الكافور. وممن جاء بهذا رجل من ولد العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام وصل إلى تلك القبة وقطع البحر المظلم وكان يقال له: حايد وقال آخرون: تنقسم هذه الأنهار على اثنين وسبعين قسمًا حذاء اثنين وسبعين لسانًا للأمم. وقال آخرون: هذه الأنهار من ثلوج تتكاثف ويذيبها الحرّ فتسيل إلى هذه الأنهار وتسقي من عليها لما يريد اللّه عز وجل من تدبير خلقه قالوا: ولما بلغ الوليد جبل القمر رأى جبلًا عاليًا فعمل حيلة إلى أن صعد إليه ليرى ما خلفه فأشرف على البحر الأسود الزفتي المنتن ونظر إلى النيل يجري عليه كالأنهار الدقاق. فأتته من ذلك البحر روائح منتنة هلك كثير من أصحابه من أجلها فأسرع النزول بعد أن كاد يهلك. وذكر قوم: أنهم لم يروا هناك شمسًا ولا قمرًا إلا نورًا أحمر كنور الشمس عند غيابها. وأما ما ذكر عن حايد وقطعه البحر المظلم ماشيًا عليه لا يلصق بقدمه منه شيء وكان فيما يذكر نبيًا وأوتي حكمة وأنه سأل اللّه تعالى: أن يريه منتهى النيل فأعطاه قوّة على ذلك فيقال: إنه أقام يمشي عليه ثلاثين سنة في عمران وعشرين سنة في خراب. قالوا: وأقام الوليد في غيبته أربعين سنة وعاد ودخل منف وأقام بمصر فاستعبد أهلها واستباح حريمهم وأموالهم وملكهم مائة وعشرين سنة فأبغضوه وسئموه إلى أن ركب في بعض أيامه متصيدًا فألقاه فرسه في وهدة فقتله واستراح الناس منه. وقال قدامة بن جعفر في كتاب الخراج: انبعاث النيل من جبل القمر وراء خط الاستواء من عين تجري منها عشرة أنهار كل خمسة منها تصب إلى بطيحة ثم يخرج من كل بطيحة نهران وتجري الأنهار الأربعة إلى بطيحة كبيرة في الإقليم الأوّل ومن هذه البطيحة يخرج نهر النيل. وقال في كتاب نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق: إن هذه البحيرة تسمى بحيرة كوري منسوبة لطائفة من السودان يسكنون حولها. متوحشين يأكلون من وقع إليهم من الناس ومن هذه البحيرة يخرج لهم نهر غانة وبحر الحبشة فإذا خرج النيل منها يشق بلاد كوري وبلادينه. وهم طائفة من السودان بين كاتم والنوبة فإذا بلغ دنقلة مدينة النوبة عطف من غربيها وانحدر إلى الإقليم الثاني فيكون على شطيه عمارة النوبة. وفيه هناك جزائر متسعة عامرة بالمدن والقرى ثم يشرق إلى الجنادل. وقال المسعودي رحمه الله تعالى: رأيت في كتاب جغرافيا: النيل مصوّرًا ظاهرًا من تحت جبل القمر ومنبعه ومبدأ ظهوره من اثني عشرة عينًا فتصب تلك المياه إلى بحيرتين هنالك كالبطائح ثم يجتمع الماء منهما جاريًا فيمرّ برمال هنالك وجبال ويخرق أرض السودان فيما يلي بلاد الزنج فيتشعب منه خليج يصب في بحر الزنج ويجري على وجه الأرض تسعمائة فرسخ. وقيل: ألف فرسخ في عامر وغامر من عمران وخراب حتى يأتي أسوان من صعيد مصر. وقال في كتاب هردسوس: نهر النيل مخرجه من ريف بحر القلزم ثم يميل إلى ناحية الغرب فيصير في وسطه جزيرة وآخر ذلك يميل إلى ناحية الشمال فيسقي أرض مصر.وقيل: إن مخرجه من عين فيما يجاوز الجبل ثم يغيب في الرمال ثم يخرج غير بعيد فيصير له محبس عظيم ثم يساير البحر المحيط على قفار الحبشة ثم يميل على اليسار إلى أرض مصر فيحق ما يظن بهذا النهر أنه عظيم إذ كان مجراه على ما حكيناه. قال: ونهر النيل وهو الذي يسمى بلون مخرجه خفيّ ولكن ظاهر إقباله من أرض الحبشة ويصير له هناك محبس عظيم مجراه إليه مائتا ميل وذكر مخرجه حتى ينتهي إلى البحر قال: وكثيرًا ما يوجد في نهر النيل التماسيح وإقبال النيل من أرض الحبشة ليس يختلف فيه أحد وعدة أمياله من مخرجه المعروف إلى موقفه مائة ألف وتسعون ألفًا وتسعمائة وثلاثون ميلًا. وماء النيل عكر مرمل عذب وفيّ انتهى. والنيل إذا وصل إلى الجنادل كان عند انتهاء مراكب النوبة انحدار أو مراكب الصعيد إقلاعًا. وهناك حجارة مضرسة لا مرور للمراكب عليها إلا في أيام زيادة النيل. ثم يأخذ على الشمال فيكون على شرقيه أسوان من الصعيد الأعلى ويمر بين جبلين يكتنفان أعمال مصر أحدهما شرقيّ والآخر غربي حتى يأتي مدينة فسطاط مصر فتكون في بره الشرقي. فإذا تجاوز فسطاط مصر بمسافة يوم صار فرقتين: فرقة تمر حتى تصب في بحر الروم عند دمياط وتسمى هذه الفرقة: بحر الشرق والفرقة الأخرى هي: عمود النيل ومعظمه يقال لها: بحر الغرب تمرّ حتى تصب في بحر الروم أيضًا عند رشيد وكانت مدينة كبيرة في قديم الزمان. ويقال: إن مسافة النيل من منبعه إلى أن يصب في البحر عند رشيد سبعمائة وثمانية وأربعون فرسخًا. وأنه يجري في الخراب أربعة أشهر وفي بلاد السودان شهرين وفي بلاد الإسلام مسافة شهر. وذهب بعضهم إلى أن زيادة ماء النيل إنما تكون بسبب المدّ الذي يكون في البحر فإذا فاض ماؤه تراجع النيل وفاض على الأراضي ووضع في ذلك كتابًا حاصله: إن حركة البحر التي يقال لها المدّ والجزر توجد في كل يوم وليلة مرّتين وفي كل شهر قمريّ مرّتين وفي كل سنة مرّتين. فالمدّ والجزر اليوميّ تابع لقرص القمر ويخرج الشعاع عنه من جنبتي جرم الماء. فإذا كان القمر وسط السماء كان البحر في غاية المدّ وكذا إذا كان القمر في وتد الأرض فإذا بزغ القمر طالعًا من الشرق أو غرب كان الجزر. والمدّ الشهري يكون عند استقبال القمر للشمس في نصف الشهر ويقال له: الامتلاء أيضًا عند الاجتماع ويقال له: السرار. والجزر يكون أيضًا في وقتين عند تربيع القمر للشمس في سابع الشهر وفي ثاني عشريه. والمدّ السنوي يكون أيضًا في وقتين: أحدهما عند حلول الشمس آخر برج السنبلة والآخر عند حلول الشمس بآخر برج الحوت فإن اتفق أن يكون ذلك في وقت الامتلاء أو الاجتماع فإنه حينئذ يجتمع الامتلاءان الشهريّ والسنويّ ويكون عند ذلك البحر في غاية الفيض لا سيما إن وقع الاجتماع أو الامتلاء في وسط السماء ووقع مع النيرين أو مع أحدهما أحد الكواكب السيارة فإنه يعظم الفيض. فإن وقع كوكب فصاعدًا مع أحد النيرين تزايد عظم الفيض وكانت زيادة النيل تلك السنة عظيمة جدًا وزاد أيضًا نهر مهران. فإن كان الاجتماع أو الامتلاء زائلًا عن وسط السماء وليس مع أحد النيرين كوكب فإن النيل ونهر مهران لا يبلغان غاية زيادتهما لعدم الأنوار التي تثير المياه. ويكون بمصر في السنة الغلاء والجزء السنوي يكون عند حلول الشمس برأسي الجدي والسرطان. فأما المدّ اليوميّ الدافع من البحر المحيط فإنه لا ينتهي في البحر الخارج من المحيط أكثر من درجة واحدة فلكية ومساحتها من الأرض نحو من ستين ميلًا ثم ينصرف وانصرافه هو الجزر وكذلك الأودية إذا كانت الأرض وهدة والمدّ الشهري ينتهي إلى أقاصي البحار وهو يمسكها حتى لا تنصب في البحر المحيط وحيث ينتهي المدّ الشهريّ فهناك منتهى ذلك البحر وطرفه. وأما المدّ السنوي فإنه يزيد في البحار الخارجة عن البحر المحيط زيادة بينة ومن هذه الزيادة تكون زيادة النيل وامتلاؤه وامتلاء نهر مهران والديتلو الذي ببلاد السند. قال: ولما جاء أرسطو إلى مصر مع الإسكندر ورأى مصب النيل وعلم أن من المحال أن يكون النيل في أسوان وادٍ من الأودية. وكلما استحل اتسع حتى أن عرضه في أسفل ديار مصر لينتهي إلى مائة ميل عند غاية الفيض وله أفواه كثيرة شارعه في البحر تسع كل ما يهبط من الميزان في ذلك الصنع فرأى محالًا أن يكون الوادي بحيث يضيق أسفله عن حمل ما يأتي به أعلاه مع ضيق أعلاه وسعة أسفله. فلما رأى ذلك قال: إن رياحًا تستقبل جرية الماء وتردعه فيفيض لذلك. وقال الإسكندر: إن من المحال أن يكون الريح يرح الماء السائل في الوادي حتى يفيض أكثر من مائة ميل ولو كانت الريح تفعل ذلك لكان الماء ينفلت من أسفل الوادي ويسيل إلى البحر لأن البحر لا يمسك إلا أعلاه ولكن الرياح تقذف الرمل في أفواه تلك الشوارع التي تفضي إلى البحر فيعثر بها شبه الردم فيفيض. قال: وأغفل أن الرمل جسم متخلخل فالماء يتخلله وينفذه سائلًا إلى البحر مع أن الرمل لم يعتل اعتلاء يظهر للحس والماء سائل في كل حين على حلق تنيس ودمياط وحلق رشيد وحلق الإسكندرية ففطنوا لاستحالة كونه سائلًا عن سيل حامل ونسبوا توقفه إلى الريح والرمل. وهم استقصوا الهواء واستقصوا الأرض وأغفلوا الاستقصاء الثالث الذي هو الماء لأنهم لم يعرفوا حركة البحر السنوية لأنها لا تبلغ الغاية إلا في ثلاثة أشهر فلا يظهر مقدار صعودها في كل يوم للحس. ولذلك وضع أمير مصر المقياس بديار مصر. قال: والمدّ كله واحد وهو أن القمر يقابل الماء كما تقابل الشمس الأرض فنور القمر إذا قابل كرة الأرض سخنها كما تسخن الشمس الهواء المحيط فيعتري الهواء المحيط بالماء بعض تسخين يذيب الماء فيفيض وينمى بخاصته كالمرآة المحرقة الملهبة للجوّ حتى تحرق القطنة الموضوعة بين المرآة والشمس. فهذا مثاله في المقابلة ومثاله في المسرار كون الزجاجة المملوءة ما يُلقى الشعاع إلى حلقها فتحترق القطنة أيضًا. فالقمر جسم نوريّ باكتسابه ذلك من الشمس. فإذا حال بين الشمس والأرض خرج عن جانبي الماء شعاع نافذ يمرّ مع جنبي الماء فيسخن ما قابله فينمو. والماء جسم شفاف عن جانبيه يخرج الشعاع كما يخرج عن جانبي الزجاجة فيحدث لها نور يسخن الهواء الذي يحيط بالزجاجة أو بالأرض فيقترف الماء شبه تسخين ينمي به ويزيد وذلك قبالة القرص وقبالة مخرج الشعاع من قبالة وتد القمر فهذا هو المدّ دائمًا ويستدير باستدارة الفلك وتدويره لفلك القمر وتدوير فلك القمر للقمر. والمدّ الشهريّ هو أن يقابل القمر الشمس أو يستتر تحتها. لأنه ليس إلا كون القمر قبالة الشمس لكونه في تربيع الشمس أضعف وفي المقابلة أقوى وكذلك إذا قابلها على وسط كرة الأرض الردّ على من اعتقد أن النيل من سيل يفيض أما العامة فليس عندهم ما يجيء على وجه الأرض أنه سيل ومن تفطن إلى عظمه واتساعه في أسفله وضيقه في أعلاه ولم ينظر إلى ماء ولا أرض ولا هواء. نسب ذلك إلى الخيال المحض. كما فعل صاحب كتاب المسالك والممالك: الذي زعم أن الماء يسافر من كل أرض وموطن إلى النيل تحت الأرض فيمده لأن النيل إنما يفيض في الخريف. والعيون والآبار في ذلك الوقت يقل ماؤها والنيل يكثر فرأوا كثرة وقلة فأضافوا أحدهما إلى الآخر بالخيال ومما يدلك على أنه ليس عن سيل يفيض أن السيل يكون في غير وقت فيض البحر ولا يفيض النيل لكون البحر في الجزر فيصل السيل ويمرّ نحو البحر فلا يردعه رادع. ومنها: أن فيض النيل على تدريج مدة ثلاثة أشهر من حلول الشمس رأس السرطان إلى حلولها بآخر برج السنبلة والناس يحسبون به قبل فيضه بمدة شهرين ولعامل مصر في وسط النيل مقياس موضوع وهو سارية فيها خطوط يسمونها أذرعًا يعلم بها مقدار صعوده في كل يوم. ومنها: أن فيضه أبدًا في وقت واحد فلو كان بالسيل لاختلف بعض الاختلاف. ومنها: أن الحذاق بمصر إذا رأوا الحر يزيد علموا أن النيل سيزيد لأنّ شدّة الحرّ تذيب الهواء فيذوب الماء ولا يكون إلا عن زيادة كوكب ودنوّ نور. ومنها: أن موضع مصبه من أسوان إنما هو واد من الأودية وما أسحل اتسع حتى يكون عرض اتساعه نحوًا من مائة ميل وأسوان هو منتهى بلوغ الردع فما ظنك بسيل مسيره نصف شهر لا نسبة بين مصب أعلاه وأسفله كيف كان يكون أعلاه لو كان امتلاء أسفله عن السيل! ومنها: أن أهل أسوان إنما يرقبون بلوغ الردع إليهم مراقبة ويحافظون عليه بالنهار محافظةً فإذا جنّ الليل أخذوا حقة خزف فوضعوا فيها مصباحًا ثم يضعونه على حجر معدّ عندهم لذلك. وجعلوا يرقبونه فإذا طفئ المصباح يطفو الماء عليه علموا أن الردع قد وصل غايته المعهودة عندهم بأخذه في الجزر فيكتبوا بذلك إلى أمير مصر يعلموه أن الردع قد وصل غايته المعهودة عندهم وأنهم قد أخذوا بقسطهم من الشرب. فحينئذٍ يأمر بكسر الأسداد التي على أفواه قرص المشارب فيفيض الماء على أرض مصر دفعة واحدة. ومنها: أن جمبع تلك المشارب تسدّ عند ابتداء النيل بالخشب والتراب ليجتمع ما يسيل من الماء العذب في النيل ويكثر ويعم جميع أرضهم ويمنع بجملته دخول الماء الملح عليه. فلو كان سيلًا ما احتاج إلى ذلك ولفتحت له أفواه قرص المشارب عند ابتداء ظهوره. ومنها: أن الخلجان إذا سدّت ولم يكن لها رادع من البحر كان السيل من جنبه إلى البحر إذ أسفل النيل أوسع وأخفض من أعلاه. ومنها: أن ماء البحر يصعد أكثر من عشرين ميلًا في حلق رشيد وتنيس ودمياط كما يفعل في سائر الأودية التي تدخل المدّ والجزر فلو كان النيل خاليًا من الماء العذب وصل البحر من أسوان إلى منتهى بلوغ الردع لأن الماء يطلب بطبعه ما انخفض من الأرض وأن يكون في صفحة كرة مستوية الخطوط الخارجة من النقطة إلى المحيط متساوية. ومنها: أنها إذا فتحت تلك الأسداد وكسرت الخلج وفاض النيل على بطائح أرض مصر. شعر بذلك أهل أسوان للحين وقالوا في هذه الساعة كسرت الخلج وفاض ماء النيل على أرض مصر لأن ذلك يتبين لهم بتحوّل الماء دفعة فلو كان سيلًا وهم على أعلى المصب لقالوا: قد ارتفع المطر عن الأرض التي يسيل منها السيل. ومنها: أن قسميه الذي يمرّ ببلاد الحبشة المنبعث وإياه من جبل القمر لا يفيض كمدّة فيض النيل ثلاثة أشهر ولا يقيم على وجه الأرض مدّة مقامه. لكنه إذا كثر فيه السيل غمر جوانبه على قدر انبساطها وإذا نصبت مادّته أردع عليه فلو كان فيض النيل عن السيل وهما من شعب واحد لكان شأنهما واحدًا ولا نقول: إن فيض النيل بسبب فيض البحر فقط إذ لولا كونه سيل ماء لما دخل ردع البحر إليه ولكان شاطئ ديار مصر كسائر السواحل المجاورة له. ولولا السيل السائل فيه لردمه البحر إذ عادة البحر ردم السواحل وإنما دخل الشك على أهل مصر في أيام النيل لأنهم لم يشاهدوا منشأه ولا عاينوا مبدأه من جبل القمر. لأنه في موضع لا ساكن عليه ولا تحققوا المدّ السنوي الرادع له فلم يتحققوا شيئًا من أمره لأنه بعيد من أذهان العامّة أن يعلموا: أن ماء البحر يعظم في أيام الصيف لأن المعهود عندهم في البحر أن يعظم في أيام الشتاء وطمو البحر في الشتاء إنما يكون عن الرياح الهابة عليه من أحد جانبيه فيفيض ويخرج إلى الجانب الآخر إلا ما كان من البحر المحيط فإنه. يتحرّك أبدًا من داخل البحر إلى البر. وهو أن المحيط يطلب بطبعه أن يكون على وجه الأرض والأرض ليست بسيطة فهي تمانعه بما فيها من التركيب فهو يطلب أبدًا أن يعلوها ويركبها ببردها. قال: والسبب في عظم المدّ والجزر كثرة الأشعة. فإذا زاحمت الشمس والقمر الكواكب السيارة عظم فيض البحر وإذا عظم فيض البحر فاضت الأنهار وكذلك إذا نهض القمر لمقابلة أحد السيارة ارتفع البخار وصعد إلى كورة الزمهرير ونزل المطر فإذا فارق القمر الكواكب ارتفع المطر لكثرة التحليل. كما يكون في نصف النهار عند توسط الشمس لرؤوس الخلق وكما يكون عند حلول الكواكب الكبيرة على وسط خط أرين واللّه تعالى أعلم بالصواب. كال مؤلفه رحمه اللّه تعالى: الذي تحصل من هذا القول إن النيل مخرجه من جبل القمر. وأن زيادته إنما هي من فيض البحر عند المدّ فأما كون مخرجه من جبل القمر فمسلم إذ لا نزاع في ذلك. وأما كون زيادته لا تكون إلا من ردع البحر له بما حصل فيه من المدّ فليس كذلك. نعم توالى هبوب الرياح الشمالية على وفور الزيادة وردع البحر له إعانة على الزيادة ومن تأمل النيل علم أن سيلًا سال فيه ولا بد فإنه لا يزال أيام الشتاء وأوائل فصل الربيع ماؤه صافيًا من الكدرة فإذا فرغت أيام زيادته وكان في غاية نقصه تغير طعمه ومال لونه إلى الخضرة وصار بحيث إذا وضع في إناء يرسب منه شبه أجزاء صغيرة من طحلب. وسبب ذلك: أن البطيحة التي في أعالي الجنوب تردها الفيلة ونحوها من الوحوش حتى يتغير ماؤها فإذا كثرت أمطار الجنوب في فصل الصيف وعظمت السيول الهابطة في هذه البطيحة فاض منها ما تغير من الماء وجرى إلى أرض مصر فيقال عند ذلك: توحم النيل ولا يزال الماء كذلك حتى يعقبه ماء متغير ويزاد عكره بزيادة الماء فإذا وضع منه أيام الزيادة شيء في إناء رسب بأسفله طين لم يعهد فيه قبل أيام الزيادة وهذا الطين هو الذي تحمله السيول التي تنصب في النيل حتى تكون زيادته منها وفيه يكون الزرع بعد هبوط النيل وإلا فأرض مصر سبخة لا تنبت ولا ينبت منها إلا ما مرّ عليه ماء النيل وركد منه هذا الطين وقوله: إن السيل يكون في غير وقت فيض البحر ولا يفيض النيل لكون البحر في الجزر فيصل السيل ويمرّ نحو البحر فلا يردعه رادع غير مسلم وإن العادة أن السيول التي عليها زيادة ماء النيل لا تكون إلا عن غزارة الأمطار ببلاد الجنوب وأمطار الجنوب لا تكون إلا في أيام الصيف ولم يعهد قط زيادة النيل في الشتاء. وأول دليل على أن كون زيادته عن سيل يسيل فيه إنما يزيد بتدريج على قدر ما يهبط فيه من السيول. وأما استدلاله بصب النيل في أسوان واتساعه أسفل الأرض فإنما ذلك لأنه يصب من علو في منخرق بين جبلين يقال لهما: الجنادل وينبطح في الأرض حتى يصب في البحر فاتساعه حيث لا يجد حاجزًا يحجزه عن الانبساط. وأما قوله: إن الأسداد إذا كثرت فاض الماء على الأرض دفعة فليس كذلك. بل يصير الماء عند كسر كل سدّ من الأسداد في خليج ثم يفتح ترع من الخليج إلى الخليج إلى ما على جانبه من الأراضي حتى يروى. فمن تلك الأراضي ما يروى سريعًا ومنها ما يروى بعد أيام ومنها ما لا يروى لعلوّه. وأما قوله: إن جميع تلك المشارب تستدّ عند ابتداء صعود النيل ليجتمع ما يسيل من الماء في النيل ويكثر فيعم جميع أرضهم ويمنع بجملته دخول الماء الملح عليه فغير مُسَلم أن تكون السداد كما ذكر. بل أراضي مصر أقسام كثيرة منها: عالي لا يصل إليه الماء إلا من زيادة كثيرة ومنها: منخفض يُروى من يسير الزيادة والأراضي متفاوتة في الارتفاع والانخفاض تفاوتًا كثيرًا. ولذلك احتيج في بلاد الصعيد إلى حفر الترع. وفي أسفل الأرض إلى عمل الجسور حتى يحبس الماء ليروي أهل النواحي على قدر حاجتهم إليه عند الاحتياج. وإلا فهو يزيد أولًا في غير سقي الأراضي حتى إذا اجتمع من زيادته المقدار الذي هو كفاية الأراضي في وقت خلوّ الأراضي من الغلال. وذلك غالبًا في أثناء شهر مسرى فتح سدّ الخليج حتى يجري فيه الماء إلى حدّ معلوم ووقف حتى يروي ما تحت ذلك الحدّ الذي وقف عنده الماء من الأرض. ثم فتح ذلك الحدّ في يوم النيروز حتى يجري إلى حدّ آخر ويقف عنده حتى يروي ما تحت هذا الحدّ الثاني من الأراضي ثم يفتح هذا الحدّ في يوم عيد الصليب بعد النوروز بسبعة عشر يومًا حتى يجري الماء ويقف على حد ثالث حتى يروي ما تحت هذا الحدّ من الأراضي ثم يفتح هذا الحدّ فيجري الماء ويروي ما هنالك من الأراضي ويصب في البحر الملح. هذا هو الحال في سدود أراضي مصر وقوله: إن ماء البحر يصعد أكثر من عشرين ميلًا في حلق رشيد وتنيس ودمياط فلو كان خاليًا من الماء العذب لوصل البحر من أسوان إلى منتهى بلوغ الردع فنقول: هذا قول من لم يعرف أرض مصر فإن النيل عند مصبه بأعالي أسوان يكون أعلى منه عند كونه أسفل الأرض بقامات عديدة. فإذا فاض ماء البحر حبسه أن يتدافع هو وماء النيل وربما غلب ماء البحر ماء النيل في أيام نقصان النيل حتى يملح ماء النيل فيما بين دمياط وفارس كور. وأما في أيام زيادة النيل فإني شاهدت مصب النيل في البحر من دمياط وكل منهما يدافع الآخر فلا يطيقه حتى صارا متمانعين عبرة لمن اعتبر. وقوله: إن الأسداد إذا فتحت علم أهل أسوان بذلك في الحال غير مسلم بل لم نزل نشاهد النيل في الأعوام الكثيرة إذا فتح منه خليج أو انقطع مقطع فأغرق ماؤه أراضي كثيرة لا يظهر النقص فيه إلا فيما قرب من ذلك الموضع وما برح المفرد يخرج من قوص ببشارة وفاء النيل. وقد أوفى عندهم ستة عشر ذراعًا فلا يوفي ذلك المقياس بمصر إلا بعد ثلاثة أيام ونحوها. وأما قوله: إن ما كان من النيل يمرّ ببلاد الحبشة يخالفه فليس كذلك بل الزيادة في النيل أيام زيادته تكون ببلاد النوبة وما وراءها في الجنوب كما تكون في أرض مصر ولا فرق بينهما إلا في شيئين: أحدهما: أنه في أرض مصر يجري في حدود وهناك يتبدّد على الأراضي والثاني: أن زيادته تعتبر بالقياس في أرض مصر وهناك لا يمكن قياسه لتبدّده ومن عرف أخبار مصر علم أن زيادة ماء النيل تكون عن أمطار الجنوب. ويقال: إن النيل ينصب من عشرة أنهار من جبل القمر المتقدّم ذكره. كل خمسة أنهار من شعبة ثم تتبحر تلك الأنهار العشرة في بحرين كل خمسة أنهار تتبحر بحيرة بذاتها ثم يخرج من البحيرة الشرقية بحر لطيف يأخذ شرقًا على جبل قاقولي ويمتدّ إلى مدن هناك ثم يصب في البحر الهندي. ويخرج من البحيرتين ستة أنهار من كل بحيرة ثلاثة أنهار وتجتمع الأنهار الستة في بحيرة متسعة تسمى البطيحة وفيها جبل يفرّق الماء نصفين يخرج أحدهما من غرب البطيحة وهو نيل السودان ويصير نهرًا يسمى بحر الدمادم ويأخذ مغربًا ما بين سمغرة وغانة على جنوبيّ سمغرة وشماليّ غانة ثم ينعطف هناك. منه فرقة ترجع جنوبًا إلى غانة ثم تمرّ على مدينة برنسة وتأخذ تحت جبل في جنوبها خارج خط الاستواء إلى زفيلة ثم تتبحر في بحيرة هناك وتستمرّ الفرقة الثانية مغرّبة إلى بلاد مالي والتكرور حتى تنصب في البحر المحيط شماليّ مدينة قلبتو ويخرج النصف الآخر متشاملًا آخذًا على الشمال إلى شرقيّ مدينة حيما ثم يتشعب منه هناك شعبة تأخذ شرقًا إلى مدينة سحرت. ثم ترجع جنوبًا ثم تعطف شرقًا بجنوب إلى مدينة سحرتة ثم إلى مدينة مركة. وينتهي إلى خط الاستواء حيث الطول خمس وستون درجة ويتبحر هناك بحيرة ويسمى: عمود النيل من قبالة تلك الشعبة شرقيّ مدينة شيمي متشاملًا آخذًا على أطراف بلاد الحبشة ثم يتشامل على بلاد السودان إلى مدينة دنفلة حتى يرمي على الجنادل إلى أسوان وينحدر وهو يشق بلاد الصعيد إلى مدينة فسطاط مصر ويمر حتى يصب في البحر الشاميّ وقد استفيض ببلاد السودان أن النيل ينحدر من جبال سود يبين على بعد كأن عليها الغمام ثم يتفرّق نهرين يصب أحدهما في البحر المحيط إلى جهة بحر الظلمة الجنوبيّ والآخر يتصل إلى مصر حتى يصب في البحر الشاميّ. ويقال: إنه في الجنوب يتفرّق سبعة أنهار تدخل في صحراء منقطعة ثم تجتمع الأنهار السبعة وتخرج من تلك الصحراء نهرًا واحدًا في بلاد السودان.
|